الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أبجد العلوم **
هو علم بقواعد وجزئيات تعرف بها كيفية صرف التركة إلى الوارث بعد معرفته وموضوعه التركة والوارث لأن الفرضي يبحث عن التركة وعن مستحقها بطريق الإرث من حيث إنها تصرف إليه إرثا بقواعد معينة شرعية ومن جهة قدر ما (2/ 397) يحرزه ويتبعها متعلقات التركة. ووجه الحاجة إليه الوصول إلى إيصال كل وارث قدر استحقاقه. وغايته الاقتدار على ذلك وإيجاده وما عنه البحث فيه هو مسائله. واستمداده من أصول الشرع كذا في أقدار الرائض. واختلف في قوله صلى الله عليه وسلم: (إنها نصف العلم) فقال: طائفة سماهم في ضوء السراج وغيره وهم أهل السلامة لا ندري وليس علينا ذلك بل يجب علينا اتباعه عقلنا المعني أو لم نعقل لاحتمال خطأ التأويل.وأول الآخرون على أربعة عشر قولا. والأول: سماعا نصفا باعتبار البلوى رواه البيهقي. والثاني: لأن الخلو بين طوري الحياة والممات، قاله في النهاية وعليه الأكثرون. الثالث: إن سبب الملك اختياري وضروري فالاختياري كالشراء وقبول الهبة والوصية والضروري كالإرث قاله صاحب الضوء وغيره. الرابع: تعظيما لها كذا في الابتهاج. الخامس: لكثرة شعبها وما يضاف إليها من الحساب قاله صاحب إغاثة اللهاج. السادس: لزيادة المشقة قاله نزيل حلب. السابع: باعتبار العلمين لأن العلم نوعان: علم يحصل به معرفة أسباب الإرث، وعلم يعرف به جميع ما يجب، قاله صاحب الضوء وغيره. الثامن: باعتبار الثواب لأنه يستحق الشخص بتعليم مسئلة واحدة من الفراض مائة حسنة، وبتعليم مسئلة واحدة من الفقه عشر حسنات ولو قدرت جميع الفراض عشر مسائل وجميع الفقه مائة مسئلة يكون حسنات كل واحد منهما ألف حسنة وحينئذ تكون الفرائض باعتبار الثواب مساوية لسائر العلوم. (2/ 398) التاسع: باعتبار التقدير يعني أنك لو بسطت علم الفرائض كل البسط لبلغ حجم فروعه مثل حجم فروع سائر الكتب كما في شرح السراجية. العاشر: سماها نصف العلم ترغيبا لهم في تعلم هذا العلم لما علم أنه أول علم ينسى وينتزع من بين الناس. وورد أنها ثلث العلم، وفي الجمع بينهما ما أجاب ابن عبد السلام المالكي في شرحه لفروع ابن الحاجب أن الجمع ليس واجبا على الفقيه، قال الفقيه الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر المتوفى سنة تسع وعشرين وأربعمائة في كتاب (الرد علي الجرجاني في ترجج مذهب أبي حنيفة): إنه أدعى تقدمهم في الفرائض ونقض بسعيد بن جبير وعبيدة وأبو الزناد وفي زمن أبي حنيفة كان ابن أبي ليلى وابن شبرمة قد صنفا في الفرائض، ولأصحاب مالك والشافعي أيضاً كتب منها كتاب أبي ثور وكتاب الكرابيسي، وكتاب رواه الربيع عن الشافعي، وأبسط الكتب فيها كتب أبي العباس ابن سريج وأبسط من الجميع كتاب محمد بن نصر المروزي، وما صنف فيها أتقن وأحكم منه وحجمه يزيد على خمسين جزءا قال: وكتابنا في الفرائض يزيد على ألف ورقة. قال ابن السبكي: وهو كتاب جليل القدر لا مزيد على حسنه، انتهى وبالله التوفيق. هو المعروف بعلم الفقه وسيأتي قريبا. علم باحث عن كيفية آلات الفصد ومعرفة أنواع العروق ومعرفة ما يخص (2/ 399) كل مرض من فصد عرق مخصوص إلى غير ذلك من الأحوال التي يعرفها مزاولها وغايته وغرضه ومنفعته لا تخفى كذا في ((مدينة العلوم)). أول من صنف فيه الإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة أربع ومائتين، وأبو العباس جعفر بن محمد المستغفري المتوفى سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وداود بن موسى الأودني، وأبو العطاء المليح، وأبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي، ولابن أبي شيبة، ولأبي عبد القاسم بن سلام الجمحي المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين، ولابن الغريس، ولأبي الحسن بن صخر الأزدي، ولأبي ذر وللضياء المقدسي، ولأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي المتوفى سنة ثمان وستين وأربعمائة، مختصر فهي أخذ شمس الدين محمد بن طولون الدمشقي أربعين حديثا منه وأدلة فضائل القرآن لبعض المتأخرين أولها الحمد لله الذي أمتن على عباده بنبيه المرسل. المراد بهما شهوة البطن والفرج، وإنما وجب كسرهما لأن للقلب جهتين جهة إلى عالم الغيب، المبرأ عن الشهوات والعيب، وجهة إلى عالم الشهادة للمتحلي بالألف والعادة، وهي تعلقه بالبدن، ويحتاج بحسب هذه الجهة إلى الشهوتين. فمن غلب ميله إليهما لن يلج الملكوت ويكون في عداد الحيوانات. ومن اكتفى منهما بقدر الحاجة كما فعله نبينا صلى الله عليه وسلم يكون سالكا لطريقه ويصل إلى المقامات العلمية والمراتب السنية وطريق كسرهما معروف عند أهل الطريق وليس هذا موضع تفصيله ذكره في ((مدينة العلوم)) وفي (الإحياء) للغزالي ما (2/ 400) يكفي في هذا الباب والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. قال في كشاف اصطلاحات الفنون. علم الفقه ويسمى هو وعلم أصول الفقه بعلم الدراية أيضاً، على ما في مجمع السلوك وهو معرفة النفس ما لها وما عليها هكذا نقل عن أبي حنيفة، والمراد بالمعرفة: إدراك الجزئيات عن دليل، فخرج التقليد. قال التفتازاني: القيد الأخير في تفسير المعرفة مما لا دلالة عليه أصلا لا لغة ولا اصطلاحا. وقوله: وما لها وما عليها يمكن أن يراد به ما تنتفع به النفس وما تتضرر به في الآخرة، والمشعر بهذا شهرة أن علم الفقه من العلوم الدينية، ويمكن أن يراد به ما يجوز لها وما يجب عليها، أو ما يجوز لها وما يحرم عليها. ثم ما لها وما عليها يتناول الاعتقادات كوجوب الإيمان ونحوه. والوجدانيات أي: الأخلاق الباطنة والملكات النفسانية. والعمليات: كالصوم والصلاة والبيع ونحوها. فالأول: علم الكلام. والثاني: علم الأخلاق والتصوف. والثالث: هي الفقه المصطلح. وذكر الغزالي أن الناس تصرفوا في اسم الفقه فخصوه بعلم الفتاوى والوقوف على دلائلها وعللها، واسم الفقه في العصر الأول كان مطلقا على علم الآخرة، ومعرفة دقائق آفات النفوس، والاطلاع على الآخرة وحقارة الدنيا. قال أصحاب الشافعي: الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية والمراد بالحكم النسبة التامة الخبرية التي العلم بها تصديق وبغيرها تصور (2/ 401). فالفقه عبارة عن التصديق بالقضايا الشرعية المتعلقة بكيفية العمل تصديقا حاصلا من الأدلة التفصيلية التي نصبت في الشرع على تلك القضايا وهي الأدلة الأربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس. ثم إن إطلاق العلم على الفقه وإن كان ظنيا باعتبار أن العلم قد يطلق على الظنيات كما يطلق على القطعيات كالطب ونحوه. ثم إن أصحاب الشافعي جعلوا للفقه أربعة أركان فقالوا: الأحكام الشرعية إما أن تتعلق بأمر الآخرة وهي العبادات، أو بأمر الدنيا وهي إما أن تتعلق ببقاء الشخص وهي المعاملات، أو ببقاء النوع باعتبار المنزل وهي المناكحات، أو باعتبار المدينة وهي العقوبات، وههنا أبحاث تركناها مخافة الإطناب فمن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى التوضيح والتلويح. وموضوعه فعل المكلف من حيث الوجوب والندوب والحل والحرمة وغير ذلك كالصحة والفساد وقيل موضوعه أعم من الفعل لأن قولنا: الوقت سبب أو وجوب الصلاة من مسائله وليس موضوعه الفعل وفيه أن ذلك راجع إلى بيان حال الفعل بتأويل إن الصلاة تجب لسبب الوقت، كما أن قولهم النية في الوضوء مندوبة في قوة أن الوضوء يندب فيه النية. وبالجملة تعميم موضوع الفقه مما لم يقل به أحد، ففي كل مسئلة ليس موضوعها راجعا إلى فعل المكلف يجب تأويله حتى يرجع موضوعها إليه كمسئلة المجنون والصبي فإنه راجع إلى فعل الولي هكذا في الخيالي وحواشيه ومسائله الأحكام الشرعية العملية، كقولنا: الصلاة فرض. وغرضه النجاة من عذاب النار، ونيل الثواب في الجنة، وشرفه مما لا يخفى لكونه من العلوم الدينية انتهى كلام الكشاف. قال صاحب ((مفتاح السعادة)): وهو علم باحث عن الأحكام الشرعية (2/ 402) الفرعية العملية من حيث استنباطها من الأدلة التفصيلية. ومباديه مسائل أصول الفقه. وله استمداد من سائر العلوم الشرعية والعربية. وفائدته: حصول العمل به على الوجه المشروع. والغرض منه: تحصيل ملكة الاقتدار على الأعمال الشرعية، ولما كان الغاية والغرض في العلوم العملية يحصلان بالظن دون اليقين بناء على أن أقوى الأدلة الكتاب والسنة، وإنه وإن كان علم الفقه قطعي الثبوت لكن أكثره ظني الدلالة فصار محلا للاجتهاد وجاز الأخذ فيه أولا بمذهب أي مجتهد أراد المقلد. والمذاهب المشهورة التي تلقتها الأمة بالقبول وقبلها أهل الإسلام بالصحة هي المذاهب الأربعة للأئمة الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، ثم الأحق والأولى من بينها مذهب أبي حنيفة رحمه الله، لأنه المتميز من بينهم بالإتقان والإحكام وجودة القريحة، وقوة الرأي في استبناط الأحكام، وكثرة المعرفة بالكتاب والسنة، وصحة الرأي في علم الأحكام إلى غير ذلك، لكن ينبغي لمن يقلد مذهبا معينا في الفروع أن يحكم بأن مذهبه صواب يحتمل الخطأ ومذهب المخالف خطأ يحتمل الصواب. ويحكم في الاعتقاديات بأن مذهبه حق جزما ومذهب المخالف خطأ قطعا انتهى ونحوه في ((مدينة العلوم)). أقول أحق المذاهب إتقانا، وأحسنها اتباعا، وأحكمها وأحراها بالتمسك به ما ذهب إليه أهل الحديث والقرآن والترجيح لمذهب دون مذهب تحكم لا دليل عليه، بل المذاهب الأربعة كلها سواسية في الحقيقة، والواجب على الناس كلهم اتباع صرائح الكتاب العزيز والسنة المطهرة دون اتباع آراء الرجال وأقوال العلماء والأخذ باجتهاداتهم سيما فيما يخالف القرآن الكريم والحديث الشريف (2/ 403). وقد حققنا هذا البحث في كتابنا الجنة في الأسوة الحسنة بالسنة وذكر الغزالي في بيان تبديل أسامي العلوم ما تقدم ذكره وتمام هذا البحث ذكرناه في كتابنا (قصد السبيل إلى ذم الكلام والتأويل). والكتب المؤلفة على المذاهب الأربعة كثيرة جدا لا تكاد تحصى. ودواوين الإسلام من كتب الحديث وشروحه تغني الناس كلهم قرويهم وبدويهم عالمهم وجاهلهم ودانيهم وقاصيهم عن كتب الرأي والاجتهاد، والأئمة الأربعة منعوا الناس عن تقليدهم ولم يوجب الله سبحانه وتعالى على أحد تقليد أحد من الصحابة والتابعين الذين هم قدوة الأمة وأئمتها وسلفها فضلا عن المجتهدين وآحاد أهل العلم، بل الواجب على الكل اتباع ما جاء به الكتاب والسنة المطهرة وإنما احتيج إلى تقليد المجتهدين لكون الأحاديث والأخبار الصحيحة لم تدون ولكن الآن بحمد الله تعالى قد دون أهل المعرفة بالسنن علم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغنوا الناس عن غيره فلا حيا الله عبدا قلد ولم يتبع ولم يعرف قدر السنة وحمد على التقليد. ثم القول بأن المذهب الفلاني من المذاهب الأربعة أقدم وأحكم من أباطيل المقولات وأبطل المقالات وصدوره من مدعي العلم يدل على أنه ليس من أهل العلم، لأن التقليد من صنيع الجاهل والمقلد ليس معدودا في العلماء انظر في الكتب التي الفت لرد التقليد كأعلام الموقعين عن رب العالمين وغير ذلك يتضح لك الصواب من الخطأ بلا ارتياب، والكتب المؤلفة في الأخبار الصحاح والحسان والضعاف كثيرة جدا ذكرناها في كتابنا (إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء المحدثين). والمعتمد كل الاعتماد من بينها الأمهات الست وهي معروفة متيسرة في كل بلد وكذلك الكتب المؤلفة في أحكام السنة المطهرة خاصة كثيرة أيضاً والمستند (2/ 404) كل الاستناد من بينها هو مثل منتقى الأخبار، وشرحه نيل الأوطار، وبلوغ المرام وشرحه مسك الختام، وسبل السلام، والعمدة وشرحه العدة. وغير ذلك مما ألف في ضبط الأحكام الثابتة بالسنة وما يليها مثل السيل الجرار ووبل الغمام، ومنح الغفار حاشية ضوء النهار، والهدي النبوي، وسفر السعادة، وكذا مؤلفات شيوخنا اليمانيين فإن فيها ما يكفي والمقلد المسكين يظن الخرافات في الكتاب والسنة. وقد أطال الأرنيقي في ((مدينة العلوم)) في ذكر تراجم الأئمة الأربعة أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، والفقهاء الحنفية كأبي يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني، وابن المبارك، وداود الطائي الكوفي، ووكيع بن الجراح، ويحيى بن زكريا، وإسماعيل بن حماد، ويوسف بن خالد، وعافية بن يزيد، وحبان، ومندل ابني علي الغزي، وعلي بن مسهرق القاسم بن معن وأسد بن عامر، وأحمد بن حفص، وخلف ابن أيوب، وشداد بن حكم، وموسى بن نصر، وموسى بن سليمان الجوزجاني، وهلال بن يحيى، ومحمد بن سماعة، وحكم بن عبد الله، وأطال في ترجمة هؤلاء. وقال اعلم: أن الأئمة الحنفية أكثر من أن تحصى لأنهم قد طبقوا أكثر المعمورة حتى قيل إن للإمام أبي حنيفة سبعمائة وثلاثين رجلا من تلامذته وهذا ما عرف منهم وما لم يعرف أكثر من ذلك، لكنا اكتفينا منهم ههنا بما سمح به الوقت، والآن فلنذكر من الكتب المعتبرة في الفقه ما هو المشهور في الزمان انتهى. ثم ذكر كتبا سماها قال: وإن استقصاء الأئمة الحنفية وتصانيفهم خارج عن طوق هذا المختصر، ولنذكر بعد ذلك نبذا من أئمة الشافعية ليكون الكتاب كامل الطرفين حائز الشرفين، وهؤلاء صنفان أحدهما: من تشرف بصحبة الإمام الشافعي، والآخر: من تلاهم من الأئمة انتهى. ثم ذكر هذين الصنفين وأطال في بيانهما وفضائلها إطالة حسنة، والكتب التي ألفت في بيان طبقات أهل المذاهب الأربعة تغني عن ذكر جماعة خاصة من المقلدة المذهب واحد وإن كانوا أئمة أصحاب التصانيف ولا عبرة بكثرة المقلدة الذين قلدوا مذهبا واحدا من المذاهب (2/ 405) الأربعة بل الاعتبار باختيار الحق والصواب، وهو ترك التقليد لآراء الرجال، وإيثار الحق على الحق والتمسك بالسنة. وقد ألف جماعة كتبا كثيرة في طبقات المتبعين وتراجم الحفاظ والمحدثين، وهم ألوف لا يحصيهم كتاب وإن طال الفصل والباب وهم أكثر وأطيب إن شاء الله تعالى بالنسبة إلى المقلدة وقد تعصب أصحاب الطبقات المذهبية في تعداد أهل نحلتهم حيث أدخلوا فيها من ليس منهم وغالب أئمة المذاهب ليسوا بمقلدين وإن انتسبوا إلى بعضهم بل هم مجتهدون مختارون لهم أحسن الأقوال وأحق الأحكام وبعد النظر والاجتهاد فعدهم في زمرة المقلدة بأدنى شركة في العلم ليس من الإنصاف في شيء. وإنما خافوا فتنة العوام في ادعاء الاجتهاد أو عدم الاعتداد بالتقليد فصبروا على نسبتهم إلى مذهب من تلك المذاهب كما يعرف ذلك من له إلمام بتصانيف هؤلاء الكرام، وليس هذا موضع بسط الكلام على هذا المرام وإلا أريتك عجائب المقام وأتيتك بما لم يقرع سمعك من الأمور العظام. واعلم أن أصول الدين اثنان لا ثالث لهما: الكتاب والسنة، وما ذكروه من أن الأدلة أربعة: القرآن والحديث والإجماع والقياس فليس عليه إثارة من علم وقد أنكر إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه الإجماع الذي اصطلحوا عليه اليوم. وأعرض سيد الطائفة المتبعة داود الظاهري عن كون القياس حجة شرعية، وخلاف هذين الإمامين نص في محل الخلاف ولهذا قال بقولهما عصابة عظيمة من أهل الإسلام قديما وحديثا إلى زماننا هذا ولم يروا الإجماع والقياس شيئا مما ينبغي التمسك به سيما عند المصادمة بنصوص التنزيل، وأدلة السنة الصحيحة، وهذه المسئلة من معارك المسائل بين المقلدة والمتبعة، وأكثر الناس خلافا فيها الحنفية لأنهم أشد الناس تعصبا للمذهب وتقرير ذلك مبسوط في المبسوطات المؤلفة في هذا الباب (2/ 406). ومن له نظر في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه الواحد المتكلم الحافظ ابن القيم ومن حذا حذوهما من علماء الحديث والقرآن خصوصا أئمة اليمن الميمون وتلامذتهم فهو يعلم بأن هذا القول هو الحق المنصور والمذهب المختار، والكلام المعتمد عليه ما سواه سراب وتباب، ولولا مخافة الإطالة وخشية الملالة لذكرت ههنالك ما تذعن له من الأدلة على ذلك ومفاسد ما هنالك وبالله التوفيق وهو العاصم عن التنكيب عن سواء الطريق اللهم أرحم أمة محمد صلى الله عليه وسلم رحمة عامة. قال ابن خلدون رحمه الله تعالى: الفقه معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين بالوجوب والخطر والإباحة والندب والكراهة وهي متلقاة من الكتاب والسنة وما نصبه الشارع لمعرفتها من الأدلة على اختلاف فيها بينهم، ولا بد من وقوعه ضرورة أن الأدلة غالبها من النصوص وهي بلغة العرب وفي اقتضاءات ألفاظها لكثير من معانيها اختلاف بينهم معروف و أيضاً. فالسنة مختلفة الطرق في الثبوت وتتعارض في الأكثر أحكامها فتحتاج إلى الترجيح وهو مختلف أيضاً، فالأدلة من غير النصوص مختلف فيها، وأيضاً فالوقائع المتجددة لا توفي بها النصوص وما كان منها غير ظاهر في النصوص فحمل على منصوص لمشابهة بينهما وهذه كلها إشارات للخلاف ضرورية الوقوع ومن هنا وقع الخلاف بين السلف والأئمة من بعدهم. ثم إن الصحابة كلهم لم يكونوا أهل فتيا ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم (2/ 407) وإنما كان ذلك مختصا بالحاملين للقرآن العارفين بناسخه ومنسوخه ومتشابهة ومحكمة وسائر دلالته بما تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم سمعه منهم من عليتهم، وكانوا يسمون لذلك القراء أي الذين يقرؤون الكتاب لأن العرب كانوا أمة أمية فاختص من كان منهم قارئا للكتاب بهذا الاسم لغرابته،يومئذ، وبقي الأمر كذلك صدر الملة ثم عظمت أمصار الإسلام، وذهبت الأمية من العرب بممارسة الكتاب وتمكن الاستنباط وكمل الفقه وأصبح صناعة وعلما فبدلوا باسم الفقهاء والعلماء من القراء. وانقسم الفقه إلى طريقتين: طريقة أهل الرأي والقياس وهم أهل العراق. وطريقة أهل الحديث وهم أهل الحجاز. وكان الحديث قليلا في أهل العراق فاستكثروا من القياس ومهروا فيه فلذلك قيل أهل الرأي، ومقدم جماعتهم الذي استقر المذهب فيه وفي أصحابه أبو حنيفة، وإمام أهل الحجاز مالك بن أنس، والشافعي من بعده. ثم أنكر القياس طائفة من العلماء وأبطلوا العمل به وهم الظاهرية وجعلوا المدارك كلها منحصرة في النصوص والإجماع، وردوا القياس الجلي والعلة المنصوصة إلى النص لأن النص على العلة نص على الحكم في جميع محالها، وكان إمام هذا المذهب داود بن علي وابنه وأصحابه. وكانت هذه المذاهب الثلاثة هي مذاهب الجمهور المشتهرة بين الأمة وشذ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها وفقه انفردوا به وبنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح على قولهم بعصمة الأئمة ورفع الخلاف عن أقوالهم وهي كلها أصول واهية، وشذ بمثل ذلك الخوارج ولم يحتفل الجمهور بمذاهبهم بل أوسعوها جانب الإنكار والقدح فلا نعرف شيئا من مذاهبهم ولا نروي كتبهم ولا أثر لشيء منهم إلا في مواطنهم، فكتب الشيعة في بلادهم وحيث كانت دولتهم (2/ 408) قائمة في المغرب والمشرق واليمن، والخوارج كذلك، ولكل منهم كتب وتآليف وآراء في الفقه غريبة. ثم درس مذهب أهل الظاهر اليوم بدروس أئمته وإنكار الجمهور على منتحله ولم يبق إلا في الكتب المجلدة، وربما يعكف كثير من الطالبين ممن تكلف بانتحال مذهبهم على تلك الكتب يروم أخذ فقههم منها ومذهبهم فلا يحلو بطائل ويصير إلى مخالفة الجمهور وإنكارهم عليه، وربما عد بهذه النحلة من أهل البدع بنقله العلم من الكتب من غير مفتاح المعلمين. وقد فعل ذلك ابن حزم بالأندلس على علو رتبته في حفظ الحديث وصار إلى مذهب أهل الظاهر ومهر فيه باجتهاد زعمه في أقوالهم وخالف إمامهم داود وتعرض للكثير من أئمة المسلمين فنقم الناس ذلك عليه، وأوسعوا مذهبه استهجانا وإنكارا وتلقوا كتبه بالإغفال والترك حتى إنها ليحظر بيعها بالأسواق وربما تمزق في بعض الأحيان، ولم يبق إلا مذهب أهل الرأي من العراق وأهل الحديث من الحجاز. فأما أهل العراق فإمامهم الذي استقرت عنده مذاهبهم أبو حنيفة النعمان ابن ثابت، ومقامه في الفقه لا يلحق شهد له بذلك أهل جلدته وخصوصا مالك والشافعي. وأما أهل الحجاز فكان إمامهم مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة رحمه الله تعالى واختص بزيارة مدرك آخر للأحكام غير المدارك المعتبرة عند غيره وهو عمل أهل المدينة لأنه رأى أنهم فيما يتفقون عليه من فعل أو ترك متابعون لمن قبلهم ضرورة لدينهم واقتدائهم، وهكذا إلى الجيل المباشرين لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الآخذين ذلك عنه، وصار ذلك عنده من أصول الأدلة الشرعية (2/ 409) ظن كثير أن ذلك من مسائل الإجماع فأنكره لأن دليل الإجماع لا يخص أهل المدينة ممن سواهم بل هو شامل للأمة. واعلم أن الإجماع إنما هو الاتفاق على الأمر الديني عن اجتهاد مالك رحمه الله لم يعتبر عمل أهل المدينة من هذا المعنى، وإنما اعتبره من حيث اتباع الجيل بالمشاهدة للجيل إلى أن ينتهي إلى الشارع صلى الله عليه وسلم وضرورة اقتدائهم بعين ذلك يعم الملة ذكرت في باب الإجماع الأبواب بها من حيث ما فيها من الاتفاق الجامع بينها وبين الإجماع إلا أن اتفاق أهل الإجماع عن نظر واجتهاد في الأدلة، واتفاق هؤلاء في فعل أو ترك مستندين إلى مشاهدة من قبلهم ولو ذكرت المسئلة في باب فعل النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره أو مع الأدلة المختلف فيها مثل مذهب الصحابي وشرع من قبلنا والاستصحاب لكان أليق. ثم كان من بعد مالك بن أنس محمد بن إدريس المطلبي الشافعي رحل إلى العراق من بعد مالك ولقي أصحاب الإمام أبي حنيفة وأخذ عنهم، ومزج طريقة أهل الحجاز بطريقة أهل العراق واختص بمذهب وخالف مالكا رحمه الله في كثير من مذهبه. وجاء من بعدهما أحمد بن حنبل وكان من علية المحدثين وقرأ أصحابه على أصحاب الإمام أبي حنيفة مع وفور بضاعتهم من الحديث فاختصوا بمذهب آخر، ووقف التقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة ودرس المقلدون لمن سواهم وسد الناس باب الخلاف وطرقه لما كثر تشعب الاصطلاحات في العلوم، ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد، ولما خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله ومن لا يوثق برأيه ولا بدينه فصرحوا بالعجز والأعواز وردوا الناس إلى تقليد هؤلاء كل من اختص به من المقلدين. وحظروا أن يتداول تقليدهم لما فيه من التلاعب ولم يبق إلا نقل مذاهبهم وعمل كل مقلد بمذهب من قلده منهم بعد تصحيح الأصول واتصال سندها بالرواية لا محصول اليوم للفقه غير هذا ومدعي الاجتهاد (2/ 410) لهذا العهد مردود على عقبه مهجور تقليده وقد صار أهل الإسلام اليوم على تقليد هؤلاء الأئمة الأربعة. فأما أحمد بن حنبل فمقلدوه قليلون لبعد مذهبه عن الاجتهاد وأصالته في معاضدة الرواية للأخبار بعضها ببعض، وأكثرهم بالشام والعراق من بغداد ونواحيها وهم أكثر الناس حفظا للسنة ورواية الحديث. وأما أبو حنيفة فمقلدوه اليوم أهل العراق ومسلمة الهند والصين وما وراء النهر وبلاد العجم كلها لما كان مذهبه أخص بالعراق ودار السلام، وكانت تلاميذه صحابة الخلفاء من بني العباس فكثرت تآليفهم ومناظراتهم مع الشافعية، وحسن مباحثهم في الخلافيات، وجاؤوا منها بعلم مستطرف وأنظار غريبة، وهي بين أيدي الناس وبالمغرب منها شيء قليل نقله إليه القاضي ابن العربي وأبو الوليد الباجي في رحلتهما. وأما الشافعي رحمه الله فمقلدوه بمصر أكثر مما، سواها وقد كان انتشر مذهبه بالعراق وخراسان وما وراء النهر، وقاسموا الحنفية في الفتوى والتدريس في جميع الأمصار وعظمت مجالس المناظرات بينهم، وشحنت كتب الخلافيات بأنواع استدلالاتهم، ثم درس ذلك كله بدروس المشرق وأقطاره وكان الإمام محمد بن إدريس الشافعي لما نزل على بني عبد الحكم بمصر أخذ عنه جماعة من بني عبد الحكم وأشهب وابن القاسم وابن المواز وغيرهم، ثم الحارث بن مسكين وبنوه. ثم انقرض فقه أهل السنة من مصر بظهور دولة الرافضة وتداول بها فقه أهل البيت وتلاشى من سواهم إلى أن ذهبت دولة العبيديين من الرافضة على يد صلاح الدين يوسف بن أيوب، ورجع إليهم فقه الشافعي وأصحابه من أهل (2/ 411) العراق والشام فعاد إلى أحسن ما كان ونفق سوقه. واشتهر منهم محيي الدين النووي من الحلبة التي ربيت في ظل الدولة الأيوبية بالشام وعز الدين بن عبد السلام أيضاً، ثم ابن الرفعة بمصر، وتقي الدين بن دقيق العيد، ثم تقي الدين السبكي بعد هما إلى أن انتهى ذلك إلى شيخ الإسلام بمصر لهذا العهد وهو سراج الدين البلقيني فهو اليوم أكبر الشافعية بمصر كبير العلماء بل أكبر العلماء من أهل العصر. وأما مالك رحمه الله فاختص بمذهبه أهل المغرب والأندلس وإن كان يوجد في غيرهم إلا أنهم لم يقلدوا غيره إلا في القليل، لما أن رحلتهم كانت غالبا إلى الحجاز وهو منتهى سفرهم، والمدينة يومئذ دار العلم ومنها خرج العراق، ولم يكن العراق في طريقهم، فاقتصروا على الأخذ عن علماء المدينة، وشيخهم يومئذ وإمامهم مالك رحمه الله، وشيوخه من قبله وتلميذه من بعده، فرجع إليه أهل المغرب والأندلس وقلدوه دون غيره ممن لم تصل إليهم طريقته. وأيضاً فالبداوة كانت غالبة على أهل المغرب والأندلس ولم يكونوا يعانون، الحضارة، التي لأهل العراق فكانوا إلى أهل الحجاز أميل لمناسبة البداوة، ولهذا لم يزل المذهب المالكي غضا عندهم، ولم يأخذه تنقيح الحضارة وتهذيبها كما وقع في غيره من المذاهب. ولما صار مذهب كل إمام علما مخصوصا عند أهل مذهبه ولم يكن لهم سبيل إلى الاجتهاد والقياس فاحتاجوا إلى تنظير المسائل في الإلحاق وتفريقها عند الاشتباه بعد الاستناد إلى الأصول المقررة من مذهب إمامهم وصار ذلك كله يحتاج إلى ملكة راسخة يقتدر بها على ذلك النوع من التنظير، أو التفرقة واتباع مذهب إمامهم فيهما ما استطاعوا وهذه الملكة هي علم الفقه لهذا العهد وأهل المغرب جميعا مقلدون لمالك رحمه الله. وقد كان تلامذته افترقوا بمصر والعراق فكان بالعراق منهم القاضي إسماعيل وطبقته مثل ابن خويز منداد، وابن اللبان، والقاضي أبو بكر الأبهري (2/ 412)، والقاضي أبو الحسين بن القصار، والقاضي عبد الوهاب من بعدهم، وكان بمصر ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكيم، والحارث بن مسكين وطبقتهم، ورحل من الأندلس عبد الملك بن حبيب فأخذ عن ابن القاسم وطبقته وبث مذهب مالك في الأندلس ودون فيه كتاب الواضحة. ثم دون العتبي من تلامذته كتاب العتبية ورحل من إفريقية أسد بن الفرات، فكتب عن أصحاب أبي حنيفة أولا، ثم انتقل إلى مذهب مالك وكتب علي بن القاسم في سائر أبواب الفقه وجاء إلى القيروان بكتابه وسمى الأسدية نسبة إلى أسد بن الفرات فقرا بها سحنون على أسد ثم ارتحل إلى المشرق ولقي ابن القاسم وأخذ عنه، وعارضه بمسائل الأسدية فرجع عن كثير منها، وكتب سحنون مسائلها ودونها وأثبت ما رجع عنه، وكتب لأسد أن يأخذ بكتاب سحنون، فأنف من ذلك فترك الناس كتابه واتبعوا مدونة سحنون على ما كان فيها من اختلاط المسائل في الأبواب فكانت تسمى المدونة والمختلطة، وعكف أهل القيروان على هذه المدونة، وأهل الأندلس على الواضحة والعتبية. ثم اختصر ابن أبي زيد المدونة والمختلطة في كتابة المسمى بالمختصر، ولخصه أيضاً أبو سعيد البرادعي من فقهاء القيروان في كتابه المسمى بالتهذيب، واعتمده المشيخة من أهل إفريقية وأخذوا به، وتركوا ما سواه، وكذلك اعتمد أهل الأندلس كتاب العتبية وهجروا الواضحة وما سواها، ولم تزل علماء المذهب يتعاهدون هذه الأمهات بالشرح والإيضاح والجمع. فكتب أهل إفريقية على المدونة ما شاء الله أن يكتبوا مثل ابن يونس، واللخمي، وابن محرز التونسي، وابن بشير وأمثالهم. وكتب أهل الأندلس على العتبية ما شاء الله أن يكتبوا مثل ابن رشد وأمثاله، وجمع ابن أبي زيد جميع ما في الأمهات من المسائل والخلاف والأقوال في كتاب النوادر فاشتمل على جميع أقوال المذهب وفرع الأمهات كلها في هذا الكتاب (2/ 413). ونقل ابن يونس معظمه في كتابه على المدونة وزخرت بحار المذهب المالكي في الأفقين إلى انقراض دولة قرطبة والقيروان، ثم تمسك بهما أهل المغرب بعد ذلك، إلى أن جاء كتاب أبي عمرو بن الحاجب لخص فيه طرق أهل المذهب في كل باب وتعديد أقوالهم في كل مسئلة فجاء كالبرنامج للمذهب. وكانت الطريقة المالكية بقيت في مصر من لدن الحارث بن مسكين، وابن المبشر، وابن اللهيث، وابن رشيق، وابن شاس، وكانت بالإسكندرية في بني عوف، وبني سند، وابن عطاء الله ولم أدر عمن أخذها أبو عمرو بن الحاجب لكنه جاء بعدا نقراض دولة العبيديين وذهاب فقه أهل البيت وظهور فقهاء السنة من الشافعية والمالكية. ولما جاء كتابه إلى المغرب آخر المائة السابعة، عكف عليه الكثير من طلبة المغرب، وخصوصا أهل بجاية لما كان كبير مشيختهم أبو علي ناصر الدين الزواوي هو الذي جلبه إلى المغرب، فإنه كان قرأ على أصحابه بمصر، ونسخ مختصره ذلك، فجاء به وانتشر بقطر بجاية في تلاميذه، ومنهم انتقل إلى سائر الأمصار المغربية. وطلبة الفقه بالمغرب لهذا العهد يتداولون قراءته ويتدارسونه لما يؤثر عن الشيخ ناصر الدين من الترغيب فيه وقد شرحه جماعة من شيوخهم كابن عبد السلام، وابن رشد، وابن هارون، وكلهم من مشيخة أهل تونس وسابق حلبتهم في الإجادة في ذلك ابن عبد السلام، وهم مع ذلك يتعاهدون كتاب التهذيب في دروسهم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. قال صاحب ((مفتاح السعادة)): هو علم يتعرف منه كيفية تدبير النبات من أول نشؤه إلى منتهى كماله وبدء كونه إلى تمام نشؤه بإصلاح الأرض، إما بالماء، أو بما يخلخلها ويحميها من المعفنات كالسماد، والرماد، ونحوهما، أو يحميها في أوقات البرد مع مراعات الأهوية، فيختلف باختلاف الأماكن، ولذلك تختلف قوانين (2/ 414) الفلاحة باختلاف الأقاليم، ومنفعته زكاة الحبوب والثمار ونحوها، وهو ضروري للإنسان في معاشه، ولذلك اشتق اسمه من الفلاح، وهو البقاء انتهى. وقال ابن خلدون: هذه الصناعة من فروع الطبيعيات وهي النظر في النبات من حيث تنمسته، ونشؤه بالسقي والعلاج، وتعهده بمثل ذلك، وكان للمتقدمين بها عناية كثيرة وكان النظر فيها عندهم عاما في النبات من جهة غرسه وتنميته، ومن جهة خواصه وروحانيته، ومشاكلتها لروحاينات الكواكب والهياكل المستعمل ذلك كله في باب السحر، فعظمت عنايتهم به لأجل ذلك، وترجم من كتب اليونانيين كتاب الفلاحة النبطية منسوبة لعلماء النبط مشتملة من ذلك على علم كبير. ولما نظر أهل الملة فيما اشتمل عليه هذا الكتاب، وكان باب السحر مسدودا، والنظر فيه، محظورا فاقتصروا منه على الكلام في النبات من جهة غرسه وعلاجه وما يعرض له في ذلك وحذفوا الكلام في الفن الآخر منه مغفلا تقل منه مسلمة في كتبه السحرية أمهات من مسائله وكتب المتأخرين في الفلاحة كثيرة ولا يعدون فيها الكلام في الغراس والعلاج وحفظ النبات من حوائجه وعوائقه وما يعرض في ذلك كله، وهي موجودة انتهى كلامه. قال في ((مدينة العلوم)): ومن لطائف علم الفلاحة اتخاذ بعض نتائجه في غير أوقاته، واستخراج بعض مباديه من غير أصله، وتركيب الأشجار بعضها ببعض إلى غير ذلك، ذكر أبو بكر بن وحشة في كتابه المسمى: ((بالفلاحة)) عن النبط، أن من دار حول شجرة الخطمي، وتطلع بالنظر إلى وردها وأدام ذلك فإنها تحدث فرحا في النفس وتزيل عنه الهم والحزن والغم انتهى. العلوم الفلسفية أربعة أنواع: رياضية، ومنطقية، وطبيعية، وإلهية. فالرياضية على أربعة أقسام (2/ 415): الأول: علم الأرتماطيقي وهو معرفة خواص العدد وما يطابقها من معاني الموجودات التي ذكرها فيثاغورس نيقوماخس، وتحته علم الوفق، وعلم الحساب الهندي، وعلم الحساب القبطي، والزنجي، وعلم عقد الأصابع. الثاني: علم الجومطريا وهو علم الهندسة بالبراهين المذكورة في إقليدس ومنها علمية وعملية، وتحتها علم المساحة، وعلم التكسير، وعلم رفع الأثقال، وعلم الحيل المائية، والهوائية، والمناظر، والحزب. الثالث: علم الإسطرلاب قوميا وهو: علم النجوم بالبراهين المذكورة في المجسطي وتحت علم الهيئة والميقات والزيج والتحويل. الرابع: علم الموسيقى وتحته علم الإيقاع، والعروض. والثاني العلوم المنطقية وهي خمسة أنواع: الأول: أنولوطيقيا وهو معرفة صناعة الشعر. الثاني: بطوريقا وهو معرفة صناعة الخطب. الثالث: بوطيقيا وهو معرفة صناعة الجدل. الرابع: الولوطيقي وهو معرفة صناعة البرهان. الخامس: سوفسطيقا وهو معرفة المغالطة. والثالث العلوم الطبيعية وهي سبعة أنواع: الأول: علم المبادئ وهو: معرفة خمسة أشياء لا ينفك عنها جسم وهي: الهيولى، والصورة، والزمان، والمكان، والحركة. الثاني: علم السماء والعالم وما فيه. الثالث: علم الكون والفساد. الرابع: علم حوادث الجو. الخامس: علم المعادن. السادس: علم النبات (2/ 416). السابع: علم الحيوان ويدخل فيه علم الطب وفروعه. الرابع: العلوم الإلهية وهي خمسة أنواع: الأول: علم الواجب وصفته. الثاني: علم الروحانيات وهي معرفة الجواهر البسيطة العقلية الفعالة التي هي الملائكة. الثالث: العلوم النفسانية وهي معرفة النفوس المتجسدة والأرواح السارية في الأجسام الفلكية والطبيعية من الفلك المحيط إلى مركز الأرض. الرابع: علم السياسات وهي خمسة أنواع علم سياسة النبوة. الثاني: علم سياسة الملك وتحته الفلاحة، والرعايا، وهو الأول المحتاج إليه في أول الأمر لتأسيس المدن، وعلم قود الجيش ومكائد الحرب، والبيطرة والبيزرة، وآداب الملوك. الرابع: العلم المدني كعلم سياسة العامة، وعلم سياسة الخاصة، وهي سياسة المنزل. الخامس: علم سياسة الذات وهو علم الأخلاق. من كلام ابن خلدون رحمه الله وهذا الفصل مهم لأن هذه العلوم عارضة في العمران كثيرة في المدن وضررها في الدين كثير فوجب أن يصدع بشأنها ويكشف عن المعتقد الحق فيها، وذلك أن قوما من عقلاء النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله الحسي منه وما وراء الحسي تدرك ذواته وأحواله بأسبابها وعلل بالأنظار الفكرية، والأقيسة العقلية، وإن تصحيح العقائد الإيمانية من قبل النظر لا من جهة السمع فإنها بعض من مدارك العقل وهؤلاء يسمون فلاسفة جمع فيلسوف وهو باللسان اليوناني محب الحكمة، فبحثوا عن ذلك وشمروا له (2/ 417)، وحوموا على إصابة الغرض منه ووضعوا قانونا يهتدي به العقل في نظره إلى التمييز بين الحق والباطل وسموه بالمنطق. ومحصل ذلك أن النظر الذي يفيد تمييز الحق من الباطل إنما هو للذهن في المعاني المنتزعة من الموجودات الشخصية، فيجرد منها أولا صورا منطبقة على جميع الأشخاص، كما ينطبق الطابع على جميع النقوش التي ترسمها في طين أو شمع، وهذه المجردة من المحسوسات تسمى المعقولات الأوائل، ثم تجرد من تلك المعاني الكلية إذا كانت مشتركة مع معاني أخرى وقد تميزت عنها في الذهن فتجرد منها معاني أخرى وهي التي اشتركت بها ثم تجرد ثانيا أن شاركها غيرها وثالثا إلى أن ينتهي التجريد إلى المعاني البسيطة الكلية المنطبقة على جميع المعاني والأشخاص ولا يكون منها تجريد بعد هذا وهي الأجناس العالية. وهذه المجردات كلها من غير المحسوسات هي من حيث تأليف بعضها مع بعض لتحصيل العلوم منها تسمى المعقولات الثواني. فإذا نظر الفكر في هذه المعقولات المجردة وطلب تصور الوجود كما هو فلا بد للذهن من إضافة بعضها إلى بعض، ونفي بعضها عن بعض بالبرهان العقلي اليقيني ليحصل تصور الوجود تصورا صحيحا مطابقا إذا كان ذلك بقانون صحيح كما مر، وصنف التصديق الذي هو تلك الإضافة والحكم متقدم عندهم على صنف التصور في النهاية والتصور متقدم عليه في البداية والتعليم لأن التصور التام عندهم هو غاية لطلب الإدراك وإنما التصديق وسيلة له وما تسمعه في كتب المنطقيين من تقدم التصور وتوقف التصديق عليه، فبمعنى الشعور لا بمعنى العلم التام وهذا هو مذهب كبيرهم أرسطو. ثم يزعمون أن السعادة في إدراك الموجودات كلها في الحس وما وراء الحس بهذا النظر وتلك البراهين. وحاصل مداركهم في الوجود على الجملة وما آلت إليه وهو الذي فرعوا (2/ 418) عليه قضايا أنظارهم أنهم عثروا أولا على الجسم السفلي بحكم الشهود والحس. ثم ترقى إدراكهم قليلا فشعروا بوجود النفس من قبل الحركة والحس والحيوانات، ثم أحسوا من قوى النفس بسلطان العقل ووقف إدراكهم فقضوا على الجسم العالي السماوي بنحو من القضاء على أمر الذات الإنسانية، ووجب عندهم أن يكون للفلك نفس وعقل كما للإنسان. ثم أنهوا ذلك نهاية عدد الآحاد وهي العشر تسع مفصلة ذواتها جمل واحد، أول مفرد وهو العاشر، ويزعمون أن السعادة في إدراك الوجود على هذا النحو من القضاء مع تهذيب النفس وتخلقها بالقضاء وإن ذلك ممكن للإنسان ولو لم يرد شرع لتمييزه بين الفضيلة والرذيلة من الأفعال بمقتضى عقله ونظره وميله إلى المحمود منها، واجتنابه للمذموم بفطرته وذلك إذا حصل للنفس حصلت لها البهجة واللذة، وإن الجهل بذلك هو الشقاء السرمدي، وهذا عندهم هو معنى النعيم والعذاب في الآخرة إلى خبط لهم في تفاصيل ذلك معروف من كلماتهم. وأمام هذه المذاهب الذي حصل مسائلها ودون علمها وسطر حجاجها فيما بلغنا في هذه الأحقاب هو أرسطو المقدوني من أهل مقدونية من بلاد الروم من تلاميذ أفلاطون وهو معلم الإسكندر ويسمونه المعلم الأول على الإطلاق (2/ 419) ويعنون معلم صناعة المنطق إذ لم تكن قبله مهذبة، وهو أول من رتب قانونها واستوفى مسائلها وأحسن بسطها، ولقد أحسن في ذلك القانون ما شاء لو تكفل له بقصدهم في الإلهيات. ثم كان من بعده في الإسلام من أخذ بتلك المذاهب، واتبع فيها رأيه حذو النعل بالنعل، إلا في القليل، وذلك أن كتب أولئك المتقدمين لما ترجمها الخلفاء من بني العباس من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي، تصفحها كثير من أهل الملة، وأخذ من مذاهبهم من أضله الله من منتحلي العلوم، وجادلوا عنها، واختلفوا في مسائل من تفاريعها. وكان من أشهرهم أبو نصر الفارابي في المائة الرابعة لعهد سيف الدولة. أبو علي بن سينا في المائة الخامسة لعهد نظام الملك من بني بويه بأصبهان وغيرهما. واعلم: إن هذا الرأي الذي ذهبوا إليه باطل بجميع وجوهه فأما إسنادهم الموجودات كلها إلى العقل الأول واكتفائهم به في الترقي إلى الواجب فهو قصور عما وراء ذلك من رتب خلق الله، فالوجود أوسع نطاقا من ذلك ويخلق ما لا تعلمون وكأنهم في اقتصارهم على إثبات العقل فقط والغفلة عما وراءه بمثابة الطبيعيين المقتصرين على إثبات الأجسام خاصة المعرضين عن النقل والعقل المعتقدين أنه ليس وراء الجسم في حكمة الله شيء. وأما البراهين التي يزعمونها على مدعياتهم في الموجودات ويعرضوا على مغيار المنطق وقانونه فهي قاصرة وغير وافية بالغرض. أما ما كان منها في الموجودات الجسمانية ويسمونه العلم الطبيعي فوجه (2/ 420) قصوره أن المطابقة بين تلك النتائج الذهنية التي تستخرج بالحدود والأقيسة كما في زعمهم وبين ما في الخارج غير يقينية لأن تلك أحكام ذهنية كلية عامة. والموجودات الخارجية متشخصة بموادها، ولعل في المواد ما يمنع من مطابقة الذهني الكلي للخارجي الشخصي، اللهم إلا ما يشهدوا له الحس من ذلك فدليله شهوده لا تلك البراهين، فأين اليقين الذي يجدونه فيها وربما يكون تصرف الذهن أيضاً في المعقولات الأول المطابقة للشخصيات بالصور الخيالية لا في المعقولات الثواني التي تجريدها في الرتبة الثانية، فيكون الحكم حينئذ يقينيا بمثابة المحسوسات إذ المعقولات الأول أقرب إلى مطابقة الخارج لكمال الانطباق فيها فنسلم لهم حينئذ دعاويهم في ذلك، إلا أنه ينبغي لنا الإعراض عن النظر فيها إذ هو من ترك المسلم لما لا يعنيه، فإن مسائل الطبيعيات لا تهمنا في ديننا ولا معاشنا فوجب علينا تركها. وأما ما كان منها في الموجودات التي وراء الحس وهي الروحانيات ويسمونه العلم الإلهي، وعلم ما بعد الطبيعة فإن ذواتها مجهولة رأسا ولا يمكن التوصل إليها ولا البرهان عليها، لأن تجريد المعقولات من الموجودات الخارجية الشخصية إنما هو ممكن فيما هو مدرك لها، ونحن لا ندرك الذوات الروحانية حتى نجرد منها ماهيات أخرى بحجاب الحس بيننا وبينها، فلا يتأتى لنا برهان عليها ولا مدرك لنا في إثبات وجودها على الجملة إلا ما نجده بين جنبينا من أمر النفس الإنسانية وأحوال مداركها وخصوصا في الرؤيا التي هي وجدانية لكل أحد، وما وراء ذلك من حقيقتها وصفاتها فأمر غامض لا سبيل إلى الوقوف عليه، وقد صرح بذلك محققوهم حيث ذهبوا إلى أن ما لا مادة له لا يمكن البرهان عليه، لأن مقدمات البرهان من شرطها أن تكون ذاتية. وقال كبيرهم أفلاطون: إن الإلهيات لا يوصل فيها إلى يقين وإنما يقال فيها بالأحق الأولى يعني الظن وإذا كنا إنما نحصل بعد التعب والنصب على الظن (2/ 421) فقط فيكفينا الظن الذي كان أولا، فأي فائدة لهذه العلوم والاشتغال بها، ونحن إنما عنايتنا بتحصيل اليقين فيما وراء الحسن من الموجودات على ما هي عليه بتلك البراهين فقول مزيف مردود وتفسيره أن الإنسان مركب من جزئين: أحدهما: جسماني، والآخر روحاني ممتزج به، ولكل واحد من الجزئين مدارك مختصة به والمدرك فيهما واحد وهو الجزء الروحاني، يدرك تارة مدارك روحانية، وتارة مدارك جسمانية، إلا أن المدارك الروحانية يدركها بذاته بغير واسطة والمدارك الجسمانية بواسطة آلات الجسم من الدماغ والحواس. وكل مدرك فله ابتهاج بما يدركه واعتبره بحال الصبي في أول مداركه الجسمانية التي هي بواسطة، كيف يبتهج بما يبصره من الضوء، وبما يسمعه من الأصوات، فلا شك أن الاتبهاج بالإدراك الذي للنفس من ذاتها بغير واسطة يكون أشد وألذ، فالنفس الروحانية إذا شعرت بإدراكها الذي لها من ذاتها بغير واسطة حصل لها ابتهاج ولذة، لا يعبر عنها، وهذا الإدراك لا يحصل بنظر ولا علم، وإنما يحصل بكشف حجاب الحس ونسيان المدارك الجسمانية بالجملة، والمتصوفة كثيرا ما يعنون بحصول هذا الإدراك للنفس حصول هذه البهجة فيحاولون بالرياضة أمانة القوى الجسمانية ومداركها حتى الفكر من الدماغ ليحصل للنفس إدراكها الذي لها من ذاتها عند زوال الشواغب والموانع الجسمانية فيحصل لهم بهجة ولذة لا يعبر عنها، وهذا الذي زعموه بتقدير صحته مسلم لهم وهو مع ذلك غير واف بمقصودهم. فأما قولهم إن البراهين والأدلة العقلية محصلة لهذا النوع من الإدراك والابتهاج عنه فباطل كما رأيته، إذ البراهين والأدلة من جملة المدارك الجسمانية، لأنها بالقوى الدماغية من الخيال والفكر والذكر. ونحن أول شيء نعني به في تحصيل هذا الإدراك إماتة هذه القوى الدماغية كلها لأنها منازعة له فادحة فيه، وتجد الماهر منهم عاكفا على كتاب الشفاء والإشارات والنجاة وتلاخيص ابن رشد (2/ 422) للقص من تأليف أرسطو وغيره يبعثر أوراقها ويتوثق من براهينها، ويلتمس هذا القسط من السعادة فيها ولا يعلم أنه يستكثر بذلك الموانع عنها ومستندهم في ذلك ما ينقلونه عن أرسطو والفارابي وابن سينا أن من حصل له إدراك العقل الفعال واتصل به في حياته فقد حصل حظه من هذه السعادة والعقل الفعال عندهم عبارة عن أول رتبة ينكشف عنها الحس من رتب الروحانيات ويحملون الاتصال بالعقل الفعال على الإدراك العلمي وقد رأيت فساده. وإنما يعني أرسطو وأصحابه بذلك الاتصال والإدراك إدراك النفس الذي لها من ذاتها وبغير واسطة، وهو لا يحصل إلا بكشف حجاب الحس وأما قولهم إن البهجة الناشئة عن هذا الإدراك هي عين السعادة الموعود بها فباطل أيضاً لأنا إنما تبين لنا بما قرروه إن وراء الحس مدركا آخر للنفس من غير واسطة، وإنها تبتهج بإدراكها ذلك ابتهاجا شديدا وذلك لا يعين لنا أنه عين السعادة الأخروية ولا بد بل هي من جملة الملاذ التي لتلك السعادة.وأما قولهم أن السعادة في إدراك هذه الموجودات على ما هي عليه فقول باطل مبني على ما كنا قدمناه في أصل التوحيد من الأوهام والأغلاط، في أن الوجود عند كل مدرك منحصر في مداركه وبينا فساد ذلك وأن الوجود أوسع من أن يحاط به، أو يستوفي إدراكه بجمله روحانيا أو جسمانيا. والذي يحصل من جميع ما قررناه من مذاهبهم أن الجزء الروحاني إذا فارق القوى الجسمانية أدرك إدراكا ذاتيا له مختصا بصنف من المدارك وهي الموجودات التي أحاط بها علمنا وليس بعام الإدراك في الموجودات كلها إذ لم تنحصر، وأنه يبتهج بذلك النحو من الإدراك ابتهاجا شديدا كما يبتهج الصبي بمداركه الحسية في أول نشرة، ومن لنا بعد ذلك بإدراك جميع الموجودات أو بحصول السعادة التي وعدنا به الشارع إن لم نعمل لها هيهات هيهات لما توعدون. وأما قولهم إن الإنسان مستقل بتهذيب نفسه وإصلاحها بملابسة المحمود (2/ 423) من الخلق ومجانبة المذموم فأمر مبني على أن ابتهاج النفس بإدراكها الذي لها من ذاتها هو عين السعادة الموعود بها لأن الرذائل عائقة للنفس عن تمام إدراكها ذلك بما يحصل لها من الملكات الجسمانية والروحانية، فهذا التهذيب الذي توصولنا إلى معرفته إنما نفعه في البهجة الناشئة عن الإدراك الروحاني فقط الذي هو على مقاييس وقوانين. وأما ما وراء ذلك من السعادة التي وعدنا به الشارع على امتثال ما أمر به من الأعمال والأخلاق فأملا يحيط به مدارك المدركين وقد تنبه لذلك زعميهم أبو علي بن سينا فقال في كتاب المبدأ والمعاد ما معناه أن المعاد الروحاني وأحواله هو مما يتوصل إليه بالبراهين العقلية والمقاييس لأنه على نسبة طبيعية محفوظة ووتيرة واحدة قلنا في البراهين عليه سعة. وأما المعاد الجسماني أحواله فلا يمكننا إدراكه بالبرهان لأنه ليس على نسبة واحدة وقد بسطته لنا الشريعة الحقة المحمدية فلينظر فيها ولنرجع في أحواله إليها فهذا العلم كما رأيته غير واف بمقاصدهم التي حوموا عليها مع ما فيه من مخالفة الشرائع وظواهرها، وليس له فيما علمنا إلا ثمرة واحدة وهي شحذ الذهن في ترتيب الأدلة والحجاج لتحصيل ملكة الجودة والصواب في البراهين، وذلك أن نظم المقاييس وتركيبها على وجه الإحكام والإتقان هو كما شرطوه في صناعتهم المنطقية وقولهم بذلك في علومهم الطبيعية، وهم كثيرا ما يستعلمونها في علومهم الحكمية من الطبيعيات والتعاليم وما بعدها فيستولي الناظر فيها بكثرة استعمال البراهين بشروطها على ملكه الإتقان والصواب في الحجاج والاستدلالات، لأنها وإن كانت غير وافية بمقصودهم هم فهي أصح ما علمناه من قوانين الأنظار. هذه هي ثمرة هذه الصناعة مع الاطلاع على مذاهب أهل العلم وآرائهم ومضارها ما علمت فليكن الناظر فيها متحرزا جهده من معاطيها، فليكن نظر من ينظر فيها بعد الامتلاء من الشرعيات، والإطلاع على التفسير والفقه ولا يكبن أحد عليها وهو خلو عن علوم الملة، فقل أن يسلم لذلك من معاطيها والله الموفق (2/ 424) للصواب وللحق والهادي إليه وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. قال الغزالي في الإحياء: الفلسفة ليست علما برأسها بل هي أربعة أجزاء. أحدها: الهندسة، والحساب، وهما مباحان ولا يمنع عنهما إلا من يخاف عليه أن يتجاوز بهما إلى علوم مذمومة، فإن أكثر الممارسين لهما قد خرجوا منهما إلى البدع، فيصان الضعيف عنهما لا لعينهما خوفا عليه من أن القوي يندب إلى مخالطتهم. قال الثاني: المنطق، وهو بحث عن وجه الدليل وشروطه ووجه الحد وشروطه وهما داخلان في علم الكلام. الثالث: الإلهيات وهو بحث عن ذات الله تعالى وصفاته وهو داخل في الكلام أيضاً، والفلاسفة لم ينفردوا فيها بنمط آخر من العلم بل انفرد بمذاهب بعضها كفر وبعضها بدعة. الرابع: الطبيعيات بعضها مخالف للشرع والدين الحق فهو جهل وليس بعلم حتى يورد في أقسام العلوم، وبعضها بحث عن صفات الأجسام وخواصها وكيفية استحالتها وتغييرها، وهو شبيه بنظر الأطباء ولا حاجة إليها وإنما حدث ذلك بحدوث البدع إلى آخر ما قال والله أعلم. وهو خطوط طويلة عقدت عليها حروف وأشكال أي حلق ودوائر وزعموا أن لها تأثيرات بالخاصة وبعضها مقروء الخطوط. قال في ((مدينة العلوم)): وقد خفي علي طريق هذا العلم لمية وانية ولم نر فيه تصنيفا يبين حاله انتهى. وقال صاحب المفتاح في موضوعاته: وقد رأينا كثيرا منها على الأوراق المتفرقة، لكن لم نر فيها تصنيفا مفردا ولم نقف أيضاً على كيفية وضعها وما جرينا بها تأثيراً أم لا فبقيت عندنا مجهولة الحال أولا وآخرا انتهى. قال في ((مفتاح السعادة)): الفاصلة: كلمة آخر الآية كقافية الشعر وفقرة السجع. وفرق بين الفواصل ورؤوس الآي بأن الفاصلة هي الكلام المنفصل عما بعده، والكلام المنفصل قد يكون رأس آية وقد يكون غيره، ورؤوس الآي قد تكون منفصلة وقد لا تكون انتهى. (وفواصل الآيات) كتاب للطوفي سليمان بن عبد القوي الحنبلي المتوفى سنة سبعمائة وعشرة (2/ 426).
|